عانت الجزيرة الكورية من الآثار السلبية للحرب العالمية الثانية عام 1945، وكانت احدى النتائج المباشرة لهذه الحرب، انقسام كوريا الى شمالية وجنوبية. وبعد عقود من الزمن، لا تزال تداعيات هذا الانقسام تتفاعل، وهي أخذت بالازدياد بفعل التدخلات الخارجية التي عمّقت الهوة بين الكوريين. اليوم، وبعد سنوات من التهديد والوعيد، تبدو الامور في الجزيرة المنقسمة، اكثر ارتياحاً وهدوءاً، ويسود الكلام عن قمة مرتقبة بين الزعيمين الجنوبي والشمالي الشهر المقبل، وعن "ليونة" غير مسبوقة تظهرها كوريا الشمالية حول العديد من الامور وبالاخص حول سلاحها النووي.
اللافت في المسألة، ان الكثيرين تهافتوا لحصد الثناء على هذا "الانجاز"، وفي مقدمهم الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي بـ"تواضعه" اكد انه السبب وراء هذا الخرق الايجابي، وان اتصالاته مع الصين وتهديداته لكوريا الشمالية اقتصادياً اثمرت موقفاً مغايراً تماماً لما كانت تعلنه بيونغ يانغ.
ولكن، عند مغادرة العالم الافتراضي والعودة الى العالم الواقعي، يمكن ملاحظة ان المسألة ليست بهذه البساطة وان تعقيدات عدة تفرض نفسها امام التوصل الى تقارب شمالي-جنوبي. بداية، لم يكن الكلام في كوريا الجنوبية مشجعاً لان الحديث تمحور حول ان سيول ستلعب خلال المحادثات دور الوسيط بين بيونغ يانغ وواشنطن، وهو امر غير سليم ولا يوحي بالثقة بالنجاح لانه ينطلق من ان العلاقة بين الكوريتين صحية وطبيعية فيما الواقع عكس ذلك، وتكاد تكون العلاقة بينهما اكثر تعقيداً وخطورة من العلاقة بين الشمالية واميركا، لانه وكما هو معلوم، فإن المشاكل داخل البيت غالباً ما تكون اكثر شراسة وقوة وتعقيداً من تلك خارجه. وبالتالي، من غير الصائب القول ان العلاقة راسخة بين الكوريتين وان المرحلة المقبلة ستكرّس من اجل توطيدها مع واشنطن.
امر آخر يجدر التوقف عنده، وهو معرفة الشروط التي تضعها كوريا الشمالية على الطاولة خلال المفاوضات، لانه من المنطقي جداً ان تكسب بعض المطالب التي تراها ضرورية لها للاستمرار، دون ان تبدو وكأنها مهزومة امام تحدي الغرب لها، خصوصاً وان السقف الذي وصلت اليه مرتفع جداً وليس من السهل تخفيضه او الايحاء بأنها ستتراجع عما قيل، لان العواقب عندها ستكون داخلية وقد تهدد استقرار النظام القائم. في المقابل، من المنطقي الاشارة الى ان أيّ مكسب ستحققه كوريا الشمالية سيكون بمثابة خسارة للغرب وبالاخص على الصعيد الاقتصادي لانه على صعيد الاسلحة النووية، قد يكون "الانجاز" الممكن تحقيقه هو المحافظة على الوضع الحالي وعدم زيادة الصواريخ النووية وتجربتها في المدى المنظور.
وتطرح ايضاً علامة استفهام كبيرة حول التزام بيونغ يانغ بما سيتم الاتفاق عليه (في حال التوصل الى اتفاق) خلال المفاضوات والمحادثات، ومن سيكون الضامن؟ ولا تتمتع كوريا الشمالية بمصداقية جيدة في الالتزام بالاتفاقات وتنفيذ شروطها، وهي في هذه الفترة قابلة للتشكيك اكثر من اي وقت مضى بفعل ممارسات رئيسها الحالي كيم يونغ اون وما يدور حوله من لغط حول ادارته للبلاد.
وفي ظل التوتّر القائم بين واشنطن وموسكو وبكّين، يصبح من الصعب فعلاً ايجاد ضامن يتمتع بالمصداقيّة الكافية لاحترام هذه الاتفاقات من قبل كوريا الشمالية، وبالاخص اذا لم يحظَ الامر بوافقة او برعاية صينية وروسية، وعندها ستكون الامور معقدة جداً وقد تصل الى نقطة الاطاحة بما قد يتم الاتفاق عليه، ولن يكون بامكان الولايات المتحدة التعامل مع المسألة لوحدها، علماً ان الامم المتحدة شبه غائبة عن المسرح الدولي، واوروبا مهتمة بما يدور في قارتها وفي الشرق الاوسط.
باختصار، تبدو عوامل التشاؤم من الوصول الى قاسم مشترك بين بيونغ يانغ وواشنطن اكثر من تلك التي تبشّر بقرب التوصل الى حل ينهي الازمة الكورية الناشئة منذ الحرب العالمية الثانية.